
العودة الفردية إلى عفرين، دون وجود ضمانات دولية أو تسويات سياسية واضحة، تُعتبر مخاطرة جسيمة. فالعائدون، فرادى، يفتقدون إلى الحماية، ويّعرضون أنفسهم إلى مخاطر لا تُحمد عقباها، لعدّة أسباب؛ أبرزها: وجود مرتزقة الاحتلال التركي في المنطقة، ما يعني أنَّ جرائم القتل وعمليات الاختطاف والتعذيب ومصادرة ممتلكات المدنيين ستبقى كما هو الحال منذ احتلال المنطقة في مارس / آذار 2018.
الأمر الآخر هو ادّعاء سلطة دمشق بأن هذه الفصائل التي تتواجد في عفرين قد دخلت تحت راية وزارة الدفاع وأنَّ الكثير منها خرجت من المنطقة، لكن إذا ما أخذنا الشق الأول، فإنَّ ما تروّج له سلطة دمشق بأنَّ الفصائل قد اندمجت فهذا الأمر لن يحل من خطورة الوضع الأمني. فالفصائل دخلت تحت سقف وزارة الدفاع (شكلياً) – أي بالاسم فقط وعلى وسائل الإعلام – بينما على الأرض فهي لا تزال تأخذ أوامرها من الاحتلال التركي. أمّا في الشق الثاني الذي يتعلّق بخروج العديد من الفصائل من عفرين فحو محض كذب، لا أساس له من الصحة، فالمرتزقة انسحبت من بعض القرى. ليس إلى خارج منطقة عفرين، بل إلى مقراتها المتواجدة في المنطقة بهدف إيهام الرأي العام ومهجّري عفرين أنَّ المنطقة باتت بشكل كامل تحت سيطرة الأمن العام.
فمرتزقة الاحتلال التركي العاملين تحت مظلة ما يسمى الجيش الوطني السوري، شاركوا في ارتكاب المذابح بحق أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري وهم أنفسهم متواجدين في عفرين، فهذه الفصائل لديها تاريخ وسجل حافل بالجرائم والانتهاكات ضد الكرد في عفرين، ولكن مع وقوع مجازر الساحل فإن هناك خطورة كبيرة من أن ترتكب هذه الفصائل مجازر تفوق بكثير ما حصل في الساحل السوري، خاصةً ما جرى يوم أمس بعد مقتل عدد من مرتزقة ما يسمى فرقة المعتصم في عفرين على يد الاحتلال التركي ومرتزقته والترويج إعلامياً على منصات وصفحات المرتزقة ـ بأوامر تركيّة ـ أن المنفّذين هم عناصر من قسد والمدنيين من أبناء عفرين الكُرد، والهدف هو خلق سيناريو مشابه لما حصل في الساحل، وبدأ مرتزقة الاحتلال التركي بإطلاق تهديدات ضد المدنيين الكرد بأنهم سيقومون بذبحهم على غرار ما قاموا به في الساحل السوري ولن يتركوا لا صغيراً ولا كبيراً منهم، ونتيجة هذا السيناريو المُعد من قبل غرف الاستخبارات التركية ومرتزقتها بدأت عوائل المرتزقة تهدد هي الأخرى بقتل المدنيين الكرد مطالبين بعدم تصوير أي حالة. لهذا فإن أي عودة فردية هي مجازفة حقيقة نظراً لخطورة الوضع وما قد يترتب عليه من ارتكاب مجازر بحقهم.
وحتّى في حال توصّل المرتزقة والأمن العام إلى هكذا اتفاق فإنَّ القضية لن تُحل. فبدون تنفيذ الاتفاق بين الإدارة الذاتية وسلطة دمشق كالنموذج الحاصل في اتفاقية الشيخ مقصود والأشرفية لن يكون هناك أي نوع من الأمان في عفرين. الجهة المعنية بالتفاوض مع سلطة دمشق هي الإدارة الذاتية وهي تطالب أن تكون قوى الأمن الداخلي (الأسايش) التابع لها من تدير المنطقة وأن يكونوا من أبنائها مع رفض وجود أي فصيل مرتزق من ما يسمى الجيش الوطني السوري حتى تكون عودة مهجري عفرين ضمن سياق آمن ونتيجة اتفاق رسمي بين الإدارة الذاتية وسلطة دمشق.