الأخبار

صـ ـراع الأجنحة داخل سلطة دمشق يضع الشـ ـرع في موقف العاجز.. تدمر تخلط الأوراق والجناح المقرب من تركيا هي المنفّذة

لم يكن التفجير الأخير الذي حدث أمس السبت قرب مدينة تدمر وسط سوريا مجرد ضعف في مؤسسات الدولة ونقص الكوادر ما أدى إلى استقبال أشخاص دون تدقيق كافٍ من بينهم عناصر تنظيم داعش، وفق ما جاء على لسان حمزة المصطفى وزير الإعلام في سلطة دمشق.

ولم يكن كما حاول تبريره المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا،  أنهم كانوا على علم مسبق قبل أن يقوم العنصر بتنفيذ عملية الهجوم بثلاثة أيام وكان يحمل أفكاراً متطرفة، إذ كان من المقرر فصله من منصبه يوم الأحد. تبرير الحمزة والبابا وغيرهم من المسؤولين كان في الحقيقة نابع عن تخبّط واضح في التعامل مع قضية الهجوم الإرهابي نتيجة الأجنحة العديدة المتصارعة داخل سلطة دمشق والتي ترتبط كل منها على حدى مع جهات إقليمية وخليجية وأخرى مناهضة للتحالف الدولي وهذا بدوره يكشف أن قيادة الشرع هي اسمية فقدت القدرة على التحكم بمفاصلها الأمنية والعسكرية .

اليوم، يجد أحمد الشرع (الجولاني) نفسه في موقع بالغ الحساسية، محاصراً بين أجنحة مختلفة ومتناحرة ذات ولاءات متناقضة، في مشهد يكشف بوضوح اهتزاز مركز القرار وانهيار مفهوم القيادة الموحدة وعجزه المتزايد عن فرض السيطرة الكاملة على القوات التابعة له، سواء على المستوى الأمني أو العسكري. يحاول الشرع استقطاب ولاء الكتل المتشددة داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية لخلق توازن يمنع انقلابه عليه، إلا أن هذه المحاولة تصطدم بتعدد الأجنحة وتشابك الولاءات الإقليمية.

أجنحة متصارعة… وولاءات متباينة

ـ جناح محسوب على تركيا: يضم الشيباني وفصائل التركمان، ويعكس نفوذاً تركياً مباشراً في مفاصل القرار، مع تركيز على الحفاظ على التفاهمات الأمنية والسياسية مع أنقرة.

ـ جناح أنس خطاب – أبو أحمد حدود: وهو الجناح الأكثر خطورةً وتطرفاً يرفض العمل مع التحالف الدولي، ويرى في أي انفتاح خارجي تهديداً لمشروعه ويعتبر نفسه صاحب اليد الطولى ميدانياً مع سيطرة فعلية على مفاصل أمنية حساسة.

ـ جناح الشرع ومعه مرهف أبو قصرة: ويُعد الأقرب إلى المحور الخليجي، ويطرح نفسه كخيار “براغماتي” يسعى إلى تقديم صورة أكثر قابلية للتسويق إقليمياً ودولياً، لكنه يفتقر إلى أدوات القوة الكفيلة بفرض هذا التوجه.

تشير المعطيات المتوفرة إلى أن الجهة المنفذة للعملية تنتمي إلى قوات الأمن المرتبطة بجماعة أنس خطاب، وبالتنسيق مع مسؤول أمن البادية سفيان الشيخ صالح (أبو جابر معردبسة)، المقرّب بدوره من أنس خطاب، ما يعكس وجود شبكة أمنية موازية تعمل خارج إطار القرار المركزي.

وبحسب هذه المعطيات، جرى تسهيل عملية التفجير بشكل متعمد، بهدف إيصال رسالة سياسية وأمنية واضحة مفادها أن الجماعات الجهادية تقف إلى جانب هذا الجناح، وأن الجولاني (أحمد الشرع) غير قادر على اتخاذ أي خطوة أو قرار مصيري دون موافقتهم أو على الأقل دون مراعاة مصالحهم.

تركيا.. العقل المدبّر لهجوم تدمر

الأخطر في هذا المشهد أن المعلومات تشير إلى أن تركيا كانت على علم مسبق بالمخطط، وقدّمت دعماً استخباراتياً ولوجستياً لتنفيذه، في إطار سياسة إدارة الصراع لا إنهائه، واستخدام الهجمات كأداة ضبط وتوجيه، ورسائل ضغط متبادلة بين الأجنحة، بما يضمن بقاء الجميع تحت سقف المصالح التركية. فيما يبرز الهدف التركي الآخر من وراء التخطيط للهجوم ضد القوات الأمريكية بعد رفض الأخيرة إنشاء أنقرة قاعدة تركية لها في تدمر ذات الأهمية الاستراتيجية للكثير من الأطراف.

ما يجري اليوم وبعد مرور عام على سقوط الأسد ورفع الكثير من العقوبات الدولية، يشير إلى أن السلطة القائمة دخلت مرحلة تآكل داخلي خطير، حيث لم يعد الصراع سياسياً أو تنظيمياً، بل أمنياً مفتوحاً يمعق هشاشة البنية الأمنية في سوريا. فيما تبدو احتمالات التصعيد والاقتتال بين الأجنحة تزداد اليوم أكثر من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى