
يبدو أن الساحة السياسية الكوردية التركية تستعد لارتعاشة جديدة، بعد أن أعلنت قوات الدفاع الشعبي عن نيتها اتخاذ خطوة “تاريخية” ضمن إطار عملية السلام وقرارات المؤتمر الثاني عشر لحركة الحرية الكوردستانية. إعلانٌ يبعث على الفضول ويعيد فتح النوافذ التي أُغلقت منذ توقّف عملية السلام بقرار من أنقرة، وكأن روح الحوار التي ظنّ الكثير أنها دفنت ما زالت تقف خلف الباب تطرق بخجل.
في ظل هذا الإعلان، تتطاير الاحتمالات كأوراق خريف تبحث عن أرض تستقر عليها. قد نكون على أبواب مبادرة تعيد الحياة إلى مفاوضات توقفت قسرياً، فحين تشير التصريحات العسكرية إلى السلام، يكون المعنى أحياناً أعمق من الكلمات. ربما تعلن القوات عن وقف جديد لإطلاق النار، أو طرح رؤى سياسية تمهّد لعودة الحوار. هذه الخطوة يمكن أن تعد رسالة للعالم أجمع تقول: “لا تزال هناك فرصة لمن أراد نجاح هذا الطريق”.
ومن زاوية أخرى، قد تمثل المبادرة إعادة تموضع في المشهد الكوردي. فبدلاً من لغة السلاح، قد نشهد انتقالاً تدريجياً نحو الفعل السياسي والعمل المدني، إذ تتحول البنادق إلى رموز، وتصبح المقاومة صوتاً في المنابر السياسية بدلاً من الوديان الجبلية.
ولا يغيب عن المشهد أن هذه الخطوة قد تكون ضغطاً سياسياً ناعماً على أنقرة. فالمبادرة الأحادية كثيراً ما تُحرج الطرف المقابل وتدفعه إلى إعادة حساباته. ربما تقول هذه الخطوة: “الكرة لديكم، فهل تلتقطونها؟”.
كما يمكن النظر إليها على أنها رسالة طمأنة للقاعدة الشعبية الكوردية. لقد طال الانتظار وثقلت الأيام منذ توقف المسار السلمي، وقد يكون الهدف الآن تثبيت الإيمان بأن المشروع القومي لم يتوقف عند نقطة اليأس.
بين التفاؤل والحذر، يقف هذا الإعلان في المنتصف. فإذا كانت الخطوة تاريخية حقاً، فقد تحيي أملاً أُنهكته الصراعات. ومع ذلك، تظل الإجابة الحقيقية معلّقة على جدار الغد، تنتظر ما إذا كانت أنقرة ستستجيب لنداء السلام، أم تتركه معلقاً في الهواء.
إننا، ونحن نراقب هذا التطور، ندرك أن التاريخ كثيراً ما يبدأ بجملة قصيرة. وربما تكون هذه الجملة بداية فصل جديد في العلاقة بين الكورد والدولة التركية، فصل يتمنى الجميع أن يكون أقل نزفاً وأكثر إنسانية.
رودي اليزيدي




