
منذ عقود عانى الشعب السوري من سياسات التهميش والإقصاء على يد نظامين الأسدين، وبعد انهيار نظام الأسد الابن ووصول هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) إلى مقاليد الحكم فإن الرواية التي تتبناها هذه السلطة حول التأييد الشعبي الواسع لها هو محض كذب، فحتى الجوقة التي تُطبّل لسلطة الجولاني على أنه “محرر سوريا” كانت حتى الأمس القريب معارضاً لها. ليست فقط معارضة بل كانت توصفه بأنه “إرهابي” و “غير معلوم نسبه”، ففي حين من يرتبط إيديولوجياً وفكرياً مع الجولاني كان يعارضه ويهاجمه فكيف للشعب السوري الذي يحمل الفكر المعتدل أن يصف الجولاني بمحرر سوريا وهو يعلم ماضيه الإرهابي بل وحاضره أيضاً؟… فإذاً كيف تحوّل “الإرهابي” بين ليلةٍ وضحاها إلى “محرّر”.؟
أمس خرجت جموع حاشدة من السوريين للتعبير عن فرحتهم بسقوط نظام الأسد، إلا أن إعلاميِّ سلطة الجولاني سارعوا إلى توظيف هذه المشاهد العفوية التي خرجت للتعبير عن فرحتهم بيوم سقوط النظام على أنه حاضنة شعبية لسلطة الجولاني وتأييد مباشر لها وذهبوا في توصيف ذلك على أنه شرعية للسلطة والتفاف شعبي حولها. هذا الترويج غير صحيح البتة، فالسوريين خرجوا للاحتفال بسقوط الأسد وليس دعماً لسلطة الجولاني وهنا لا نتحدث فقط عن العلويين والدروز والكرد، فنسبة السنة التي ترفض هذه السلطة هي كبيرة جداً وهي تابعة من عدّة عوامل سواء أكانت إيديولوجية كونهم معتدلون أو لأسباب اقتصادية وأمنية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية بالإضافة إلى تصاعد الانتهاكات بشكل مرعب ومخيف.
قبل أيام خرجت جموع حاشدة من أبناء الطائفة العلوية في مناطق تواجدهم بالساحل السوري رفضاً للممارسات الإرهابية والانتهاكات التي تُمارس ضدهم من قبل سلطة الجولاني، سرعان ما حاولت الأخيرة إلى إخراج مسيرات مؤيدة لها بهدف إظهار الدعم الشعبي لسلطتها وأن غالبية السوريين تؤيدها، لكن مع توارد مقاطع الفيديو والصور على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت أن الترويج عبر الماكينة الإعلامية تختلف كلياً على الأرض.
المسيرات الأخيرة التي خرجت لدعم سلطة الجولاني، أكّدت أن هذه السلطة لا تتمتع بنسبة تأييد تتجاوز حاجز 2.5 بالمئة في عموم سوريا. هذه النسبة التي نتحدّث عنها تأتي من تحليل حجم المشاركة الفعلية التي خرجت لتأييد السلطة. ففي حمص ورغم الكثافة والكتلة البشرية الكبيرة لم يصل عدد المشاركين المؤيدين لسلطة الجولاني إلى 15 ألف شخص، فيما كانت نسبة المشاركة في العاصمة دمشق وغيرها أقل فعلياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جميع المشاركين لم يخرجوا بهدف تأييد السلطة بل إن البعض خرجوا للاحتجاج على القصف الإسرائيلي على بيت جن.



