مقالات

من يُمثّل “الدولة ـ الشعب” في سوريا..؟

مهند العلي

حَكَم حافظ الأسد الدولة السوريّة منذ عام 1970 حتى وفاته عام 2000، ليستلم الحكم من بعده نجله بشار الأسد إلى نهاية عام 2024، ليبلغ حكم نظام الأسدين 54 عاماً. طيلة هذه العقود كان الشعب السوري أسير لدى الطغمة الحاكمة، حيث الحريات مكبوتة، وحقوق الإنسان مُهمّشة، والعدالة لا أثر لها، والسجون ممتلئة لكل صوت حر.

الشعب الكردي في سوريا كان من أبرز الشعوب التي عايشت التهميش والإقصاء والمعاناة على يد نظام الأسدين، إضافةً إلى مناطق شرق الفرات “دير الزور ـ الرقة”، حيث كان نظام الأسدين يعتبر سكان هذه المناطق مواطنين من الدرجة الثالثة والرابعة، تهميش ممنهج لمناطقهم، لا خدمات، لا مشاريع، لا اهتمام يُشبه لما كان يتعامل به الأسدين مع الشعب الكردي.

بعد انهيار نظام الأسد (الابن)، ووصول تحرير الشام إلى عدّة الحكم في سوريا، باتت وسائل الإعلام الرسمية (تلفزيون، وكالة، صحف، إذاعات ومنصات)، يُضاف إليها أبواق السلطة الجديدة يتحدثون ويصفون هذا النظام الجديد أنه “الدولة”، وأن بقية مكونات الشعب السوري من “كُرد، عرب، آشور، سريان، علويين، دروز” هم “فلول، انفصاليين، مرتدين وملاحدة”.

هؤلاء من يصفون تحرير الشام على أنها من تُمثّل الدولة وعلى البقية تقديم الطاعة والولاء لها، النظام الجديد الذي يتحكم في مناطق عدة في سوريا، ليس تاريخه الدموي موثّق فحسب. بل حاضره أيضاً (مجازر ضد العلويين والدروز وانتهاكات بحق العرب).

الدولة الشرعية والدولة القوية تكتسب وتستمد شرعيتها من الشعب أولاً وأخيراً، الدولة الحقيقية هي التي تحترم شعبها ومكوناتها، لكن هنا حتى الحديث عن نظام تحرير الشام لا يجوز البتة. فلا يمكن اعتبارها بأي شكلٍ من الأشكال أنها تحكم الدولة، فهي منظمة إرهابية متطرفة تتحكم اليوم بالسوريين في المناطق التي تحتلها، فهي ارتكبت المجازر بحق العلويين والدروز، وتُطلق الوعيد والتهديد لمهاجمة شمال وشرق سوريا، كما أنها ترى أيضاً مناطق الرقة ودير الزور من منظور تجاري بحت كما كان يفعله نظام الأسدين.

الجواب على العنوان “من يُمثّل “الدولة ـ الشعب” في سوريا..؟” واضح كوضوح الشمس للجميع دون استثناء، لكن لا ضير من التذكير بذلك. الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا هي التي تُمثّل الدولة السورية ككل، وهي من تُمثّل السوريين بنسبةٍ كبيرة، ليس فقط ضمن مناطقها. بل في المحافظات السورية الأخرى كونها تمتلك كافة المقومات لذلك. هذا ليس من باب المديح أو من نسج الخيال. بل هو نتاج المشروع الوطني الجامع الذي قدّمته الإدارة الذاتية منذ أكثر من عقد وجرى تطبيقه عملياً على أرض الواقع لسنوات، حيث الأمن والأمان المنشود في مناطقها والتي افتقدها السوريين في بقية المناطق (في زمن نظام الأسد وزمن نظام الجولاني)، الحريات الدينية موجودة والجميع يمارسون طقوس عباداتهم بكل حرية (المسيحي، المسلم، الإيزيدي)، التعايش السلمي بين المكونات… إذاً القضية ليس من يحكم في دمشق الآن ويدّعي أنه يُمثّل “الدولة”، القضية هي من يحترم الشعب، لا من يهينه، من يدافع عنه، لا من يرتكب المجازر بحقه، من يصون كرامته، لا من ينتهك أعراضه، من يقبل باختلاف ألوانه، لا من يفرض لوناً واحداً بعيد كل البعد عن الإسلام ولا يُمثله، القضية هي من يمتلك تاريخاً وحاضراً ناصع البياض، لا من يمتلك إرثاً دموياً مبنياً على القتل والتعذيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى